بهجة رمضان.. صناع الفوانيس لـ«الشروق»: غلاء الخامات يهدد المهنة ولا يمكن الاستغناء عنه

لقد ترسخت عبر المئات من السنين تقاليد ارتباط شهر رمضان المبارك بالفوانيس، حيث أصبحت رمزا مميزا لهذا الشهر الكريم. يتم استقبال هلال شهر رمضان بتزيين المنازل والشوارع بالفوانيس والزينة، ما يعزز من جمال الأجواء ويعكس البهجة والسرور في أرجاء المدن والقرى.
تشير الروايات إلى أن بداية الفانوس جاءت مع العصر الفاطمي حينما دخل المعز لدين الله الفاطمي القاهرة عام 358 هـ، فخرج المصريون لاستقباله والترحيب به حاملين بأيديهم المشاعل والفوانيس الملونة لإضاءة الطريق ليلًا، ويقال إن الفوانيس ظلت مضيئة في الشوارع حتى نهاية شهر رمضان، ومن ثم أصبحت عادة رمضانية وواحدة من طقوسه المميزة.
-مراحل صناعة الفانوس وأنواعه
تجولت عدسة “الشروق” داخل ورشة “أم إبراهيم” إحدى أقدم ورش تصنيع الفوانيس بحي السيدة زينب، ورصدت مراحل صناعة الفانوس وأنواعه وأبرز التحديات التي تواجهها تلك الحرفة، إذ أوضح كرم محمد، 48 سنة، أنه يعمل بتلك المهنة منذ صغره، وتوارثها عن أجداده، ولا يزال يعتز بها.
أما عن مراحل صناعة الفانوس، كشف محمد أن صناعة الفانوس تمر بعدة مراحل، كل مرحلة يتولى مهمتها شخص بداية من استلام خامات الصاج، ثم تقطيعها بمقاسات معينة، وكبسها عبر مكبس كبير وتفريغها بأشكال مختلفة، وصنع رسومات بها، ثم تجهيزها للتجميع والتدبيس ثم مرحلة اللحام.
وأوضح محمد أن أنواع الفوانيس كثيرة ومتعددة مثل مخمس، دلاية، فاروق، نجمة، فاروق كبير، فاروق صغير، برج 25، برج 30، برج 50، وقد يصل حتى 90 أحيانًا أو لثلاثة أمتار.
-الفانوس.. فرحة رمضان
أكد محمد أن الفانوس هو فرحة رمضان، وإذا لم تر فانوس في الشارع فلن تشعر بفرحة الشهر الكريم، مشيرًا إلى أن ألعاب الأطفال المستوردة من الصين والمزودة بمكنة وبطارية لتغني “وحوي يا وحوي” ليست فانوسًا ولا علاقة لها بشهر رمضان، فهي مجرد لعبة، لكن الفانوس الصاج هو فانوس رمضان.
واسترجع محمد بعض الروايات التي تتحدث عن حكاية الفانوس وبدايته من العصر الفاطمي، مشيرًا إلى أنه يعتقد أن الفوانيس زمان كانت تأخذ الشكل المربع وتعلق على جانبي الشوارع لإضاءتها ليلًا طوال شهر رمضان، وبدأت إضاءة الفانوس بشمعة، ثم تطورت مع دخول الكهرباء وتم استبدال الشمعة بالمصباح، وكذلك الشكل تم تطويره وتحديثه وإدخال عليه الرسومات والزخارف.
-تحديات المهنة
ذكر محمد أن من أكثر التحديات التي تواجه المهنة هي غلاء المواد الخام “الصاج”، التي يعتمدون عليها بشكل أساسي، مشيرًا إلى أن فترة عملهم خلال العام عبارة عن ثلاثة أو أربع أشهر فقط قبل شهر رمضان، لكن خلال الشهر الكريم يتوقفوا عن العمل.
فيما أكد أيمن قدري الذي يعمل بالمهنة منذ 28 عامًا، ويتولى مهمة قص المواد الخام، أن مهنة صناعة الفوانيس كلها صعوبات وشغل وليست سهلة، موضحًا في نفس الوقت، أن الفانوس مرتبط بشهر رمضان ولا يمكن الاستغناء عنه، أو اعتباره من الرفاهيات، فإذا استغنى عنه شخص باقي سكان عمارته سيجمعون مبلغًا لشراء فانوس رمضان.
وبدورها، كشفت رضا نظمي، 22 سنة، التي تتولى مهمة تدبيس قطع صاج مع قطع بلاستيك كإحدى مراحل صناعة الفانوس، أنها لم تجد أي صعوبات بعملها بل بالعكس تشعر ببهجة رمضان وأجواء رمضان الجميلة التي تنتظرها من عام لعام.
وتعمل نظمي في مهنة صناعة الفوانيس منذ 3 سنوات لشراء مستلزمات عرسها، وتتمنى ألا تغلق الورشة أبوابها أمامها في يوم من الأيام، مضيفة: “نفسي المكان ده ميقفلش خالص”.
-رمضان أحلى شهر في السنة
بالرغم من أن الورشة تغلق أبوابها خلال شهر رمضان بعد موسم العمل الذي يستغرق حوالي 4 أشهر، إلا أن أيمن قدري أكد أن رمضان هو أحلى شهر في السنة، شهر الخير والرزق والبركة والفرحة والفوانيس والزينة، وأجوائه وروحانياته بالسنة كلها، مشيرًا إلى أنه لا يمتهن أي مهنة أخرى غير صناعة الفوانيس التي يبدأ العمل بها منذ شهر جمادي الثاني ورجب حتى قدوم شهر رمضان، وباقي العام يحاول أن يعمل في أشياء مختلفة.
-رمضان في مصر حاجة تانية
بدوره، قال خليل كامل، صانع فوانيس، إنه ورث المهنة عن أجداده، ويعمل في ورشة “أم إبراهيم” من صغره، مشيرًا إلى أن فانوس رمضان هو بهجة رمضان، وفرحة رمضان، حتى أجواء رمضان في مصر تختلف عن أي دولة أخرى، مضيفًا: “رمضان في مصر حاجة تانية فعلًا بسبب فانوس رمضان وأجواء رمضان الجميلة”.
وقال كامل: “الإقبال جيد والحمد لله هذا الموسم، فيما لفت محمد أن ذلك يتضح أكثر مع نهاية شهر شعبان ونهاية موسم الفوانيس”.
وعن احتمالية استغناء البعض عن فانوس رمضان، أكد كامل في ختام حديثه: “طول ما في رمضان، إن شاء الله يبقى في فانوس رمضان”، موضحًا أن الفانوس أصبح من العادات والتقاليد المرتبطة بالشهر الكريم ولا يمكن الاستغناء عنه.