مهرجان أفلام السعودية يجسد الوحدة والإبداع في ظل الحراك الثقافي المتسارع في السعودية

في قلب التحولات الثقافية والاجتماعية التي تشهدها السعودية، يبرز "مهرجان أفلام السعودية" كأحد أرقى منصات التعبير الفني والاجتماعي. هو ليس مجرد فعالية سينمائية، بل هو جسر ثقافي وإنساني يعيد صياغة الروابط بين أبناء الوطن، ويفتح أمامهم آفاقاً جديدة من التلاقي والاندماج بعيداً عن الصور النمطية والانقسامات.
يؤكد مستشار النصوص الدرامية والسينمائية الدكتور مسفر الموسى، في حديثه لـ"العربية.نت"، أن التحولات الثقافية والاجتماعية في السعودية تنتج حكايات صغيرة قد لا يلاحظها الكثيرون، لكنها تكشف عن عمق الوطن الكبير. من بين هذه الحكايات، تبرز قصة الشابين جواد وسليمان، اللذين جاءا من مدينتين بعيدتين جغرافياً وفكرياً، وجمعت بينهما السينما لتكون بداية صداقة وحلم مشترك.
جواد، الشاب الهادئ من القطيف، الذي يعشق كتابة السيناريو، يرى في السينما لحنًا داخليًا لا يتوقف. أما سليمان، القادم من بريدة، فهو شغوف بالإخراج والتصوير ويحمل دفاتر صغيرة مليئة بالأفكار بحثاً عن قصة تلامس الروح. لم يكن ليلتقيان في أي سياق آخر، ولكن مهرجان أفلام السعودية في الظهران كان هو المساحة التي جمعت بينهما. لم يكن اللقاء محكوماً بأحكام مسبقة، بل جمعتهما رغبة مشتركة في الإبداع والتواصل.
لقاء في ورشة وسيناريو
التقيا لأول مرة في ورشة حول كتابة السيناريو. قدم جواد فكرة عن "مدينة تختفي كلما توقف أهلها عن سرد الحكايات"، فابتسم سليمان وقال: "إذا كتبتها كفيلم، سأكون ممتنًا لإخراجها". كانت هذه الكلمات بداية لصداقة جديدة، وتحولت الورشة إلى بداية مشروع مشترك.
جيل لا يسأل: من أين أنت؟ بل: ماذا تصنع؟
الدكتور الموسى يشير إلى أن المهرجانات أصبحت الآن منصات للتعبير والانفتاح، خاصة بالنسبة للجيل Z الذي تجاوز التصنيفات والهويات الضيقة. "هذا الجيل لا يسأل من أين أنت؟ بل ماذا تحب؟ وما الذي تصنع؟" يقول الموسى، مشيراً إلى أن هذه المساحات الفنية تمثل موجة اندماج وطني حقيقي، في وقت يحتاج فيه الوطن إلى تجاوز الخلافات التي زرعتها سنوات من الخطابات الطائفية.
في كل دورة من المهرجان، لا يلتقي جواد وسليمان صدفة، بل يخططان معاً للحضور، يناقشان العروض، ويتفقان ويختلفان. معًا، يصوغان رؤية تنتمي لوطن متعدد، كلما اتسع فنّه ضاق فيه الخلاف. الظهران بالنسبة لهما ليست مجرد مدينة، بل أرض مشتركة تُصنع فيها لغة جديدة، حيث يلتقي "الحالم" و"العميق" ليكتشفا أن الشغف لا يسأل عن الانتماء، وأن القلوب التي تنبض في قاعة سينمائية واحدة تنبض بإيقاع واحد: إيقاع الوطن.
اليوم، بينما يستعد الشابان لحضور دورة جديدة من المهرجان، يحملان معهما سيناريو مشتركًا، كاميرا، وأحلامًا نسجاها معًا. لا تعنيهما الفروقات، بل ما يهمهما هو أن يكتبوا الحكاية معًا، كما يفعل كل مبدع عندما يتحد في حب الوطن. "حين تُمنح السينما فسحة لتكبر، فإنها لا تنمّي الذائقة الفنية فقط، بل تُعيد ترتيب علاقتنا ببعضنا البعض، وتذكّرنا أن أجمل ما في هذا الوطن ليس تشابهنا، بل قدرتنا على الاختلاف دون أن ننكسر، والحبّ دون شروط، والإبداع من أجل الجميع"، كما يختم الموسى.