[X]إغلاق

شعرية الأنثى والقصيدة قراءة في ديوان التي تمشي للشاعر حسام عربي

شارك الخبر معانا

شعرية الأنثى والقصيدة
قراءة
في ديوان التي تمشي للشاعر حسام عربي
بقلم / عبد الحافظ بخيت متولي
يقدم لنا هذا الديوان مفتاح عالمه الشعري منذ عتبتي العنوان واالهداء، فالتي تمشي عنوان الديوان عنوان مراوغ فالتي
تمشي مجهولة الهوية لكنه يشير الي فاتحة نصية لخطاب األنثى واألنثى وحدها ثم تأتي عتبة اإلهداء كاشفة عن
خصوصية التجربة الشعرية وتخصيص الخطاب لألنثى واألنثى فقط، حيث يتداعى االهداء بين هيام وسلوي ونهاد في قائمة
طويلة من اسماء النساء المختلفة تنتهي عند جملة “إلي بنات حواء بدون استثناء”
فهل نحن أمام خطاب شعري أحادي يخاطب المرأة فقط عبر قصائد الديوان؟ وهل يقف الخطاب عند توظيف القصيدة
لصالح األنثى ام توظيف األنثى لصالح القصيدة ؟ هذا ما تكشفه شعرية النص في الديوان
شعرية األنثى المضمون
لعلنا حين نستدعي ذاكرتنا األدبية نعرف أن عالقة الشاعر العربي بالمرأة انتجت شعرا كثيرا يمكن ان نعتبره ديوانا ضخما
منذ امرئ القيس حتي اآلن ، صور فيه هؤالء الشعراء نظرتم ومواقفهم وأخليتهم عن المرأة ، بل واتخذ بعضهم من المرأة
موضوعا وحيدا لشعره مثل هذا الديوان الذي نحن بصدده اآلن ، وبذلك حققوا ذواتهم واخيلتهم الفنية من خالل شعرية
المرأة ، فلقد كانت المرأة في الشعر العربي – ومازالت- بطاقة هوية لكثير من الشعراء، ولكثير من الشعر أيضا ، وي عد
نزار قباني هو صاحب بطاقة الهوية األول في العصر الحديث ، وهذا ما يدفعنا الي الحديث عن شعرية المرأة في هذا
الديوان
والشعرية هي مجموعة المبادئ الجمالية التي تقود المبدع في خطابه ،والتي تمنحه التفرد والتميز عن غيره من الشعراء
وعلي ذلك يمكن اعتبار الشعرية خاصية لسانية من خواص النص االدبي علي اعتبار أن األدب يشتغل علي اللغة في صنع
مكوناته الجمالية ، ولهذا يري البعض أن ” الشعرية انتهاك لقوانين العادة ، ينتج عنه تحويل اللغة من كونها انعكاسا للعالم
وتعبيرا عنه أو موقفا منه إلي أن تكون هي نفسها عالما آخر ، ورب ما بديال عن هذا العالم”1 “وفضال عن كون الشعرية
هي الخالص الجمالي للنص األدبي، فهي في الوقت نفسه وسيلة للخالص النفسي من التوتر الذي ينتاب الشاعر في موقفه
تجاه العالم
والشعرية هي بوابة المتلقي للدخول في عالم النص ، وإثارة انفعاله تجاه النص، وبذلك تصبح الشعرية تعبيرا غير عادي
عن مشاعر عادية” 2، “وتتشكل الشعرية في النصوص األدبية من توظيف الشاعر للعالقات الجمالية بين المفردات التي
هي معمار النص الشعري، ويصنع من خالل هذا التوظيف توهجا جماليا مبنيا علي مهارته في اإلحاالت الدالة للمفردات
التي يؤلف منها سياقات شعرية مختلفة ، وبذلك يكتسب النص حالته الجمالية الخاصة به ، ومن هذا المنظور اللغوي في
بنية الشعرية النصية نستطيع الولوج إلي ما وراء هذه الشعرية من مثيرات محفزة النطالق النص الشعري في هذا الديوان
حيث إن لغة الشاعر مرتبطة بحياة الشاعر، ألن “لغة الشعر هي اإلطار العام الشعري للقصيدة من حيث صور هذا الإطار الموضوع الفكري األول أيضا ، فمهما تراءت لنا جديدة مع تغيرات الكتابة فهي ال تغدو كونها تكراراً لصورة مركزية مع
الإنزياح أحياناً والمطابقة أحيانا أخري، ويخدعنا النص في كل مرة بأنه يقدم لنا صورة جديدة المرأة جديدة.
وإ في كل قصائد الديوان فإننا نخلص إلى القول بأن األنموذج لم يتغير. ذا وضعنا قاموساً لكل الصور المركزية للمرأة
ولذلك ينقلنا دائماً من الوهم إلى الواقع ثم يعود إلى الوهم. الوهم هو ذلك التصور الثابت المحدد عن المرأة، والواقع هو
تلك التصورات المنزاحة عن الوهم، من هنا أهمية إيجاد صورة ثم نفيها، فكل امرأة تحمل بذور استمرارها وفي الوقت
ذاته تحمل بذور فنائها، إنها ثنائية عجيبة تحكم عالم قصائد الشاعر وتظهر باستمرار في شكل تناقض بين الطهر والدنس
،وتنقلنا إلي جدلية العالقة بين آدم وحواء ، تلك العالقة التي تجعل الحياة مستمرة وتشعرنا بطعمها كما نشعر بطعم نصوص
الديوان وشعريتها
جماليات الكتابة
إن المرأة بوصفها مثيراً، والقصيدة بوصفها استجابة لهذا المثير غير الثابت والشديد التنوع والتبدل والتغير، كل جزء فيه
يوحي بآالف الصور، وكل عنصر فيه ينشطر إلى ذرات وجزيئيات شتى، وطبيعي أن تكون االستجابة لهذا الثابت المتغير
الشديد التنوع هي األخرى متغيرة ،وأكثر تنوعاً في التركيبات الجمالية للنصوص ،فتأتي اإلحاالت اللغوية صانعة صورا
مكثفة حد الدهشة أ حيانا، وربما كانت هذه الصور مرتبطة بحالة المرأة داخل القصيدة، فالمرأة في كل قصيدة ليست شيئا
سوي القصيدة نفسها بفورانها الجمالي وتكتلها الداللي ، ولذلك فإن العالقة بين المرأة والقصيدة من خالل البني الجمالية
في هذا الديوان مثل شاطئين للنهر إذا المس الجمال احدهما رده إلي اآلخر برفق فيحار الجمال علي اي الشاطئين يرسو،
وفي بعض نصوص هذا الديوان نكاد ال نري المسافة بين القصيدة بوصفها جماال واألنثى ايضا بوصفها جماال دالة مركزية
في القصيدة
وإن محاولة إحصاء الصور التي يوحي بها كل مشهد يشكل حقالً داللياً مدهشا هي محاولة ليست سهلة فكل عنصر في هذا
المشهد ينتج آالف الصور، وكل جزء فيه يحرك كوامن المشاعر، ويجعله يتفنن في رسم لوحات فنية بالكلمات ويشكل
صوراً تضفي على ذلك الجزء جماالً مدهشا ، ولعل الدهشة التي تثيرها أجزاء جسد المرأة ال تقل إثارة عن تلك التي تثيرها
أشياؤها، ومن ثم كان ذلك الكم الهائل من الصور. منها علي سبيل المثال
تصطك اسنان اللحظة علي انامل الحروف / تتقطع رؤوس الكلمات / من شباك روعتها كانت تطل ذات
اختفاء / القمر المدور في أبهة وجهها / كان عل مقاس قصيدتي / هندسي فوضي مشاعري / وعلني بيان
احتجاجك/ علي مراسم البعد المدجج بالوجع النبيل / انام علي حافة النوم / ارتل ابجدية الألم علي مسامع
العذاب / وأعصر جسدي برتقالة في كأس العشق /كي أسقي المسافات خمر الحنين
وكثير من الصور المدهشة التي تجعل من المرأة مثيرا ثابتا ولكنه دائم التجدد. أو هو دائرة كبرى تحوي دوائر صغرى
وأخرى أصغر تولد أنواعاً وأشكاالً من االستجابات، حين تغدو هي األخرى مثيرات ضمن عالم اإلغراء بالصورة الشعرية
اإلمر الذي جعل الشعر يلجأ إلي حيل فنية أخري تعضد مركزية الجمال في الصورة الشعرية منها علي سبيل المثال
أوال – التناص
جاء التناص بصور متعددة تبعا لمركزية الجمال في القصيدة من مثل
1 – التناص مع القران في قوله
أسير خلف خطاها صاغرا / اصعر خدي لها4
فهو هنا يعلي من شأن المرأة المقدسة الحمة ويعضد صورته الشعرية بهذا المنطق
2 -التناص مع االنجيل في قوله
إني ادعوك للعشاء األخير / فأنا منذ ما تيسر من وقت غير كثير / قد طردت يهوذا
اني اريد ان ارتقي الي مكان فيه الرب/ يعلمني كيف اصنع خبز الحب
وه هنا يعلي من وحدانيتها وفرادة الصورة الشعرية
3 -التناص مع الشعر
تناص مع قصيدة بين يدي زرقاء اليمامة ألمل دنقل
ايتها المقدسة العمياء
استدعاء هذه الصورة يؤكد شعرية التناقض في رسم صورة المرأة
ثانيا : الدراما
تشكل الدراما عنصرا فعال في شعرية المرأة عند الشاعر حيث تدخل في مبني الكثير من القصائد منها قصائد
التي تمشي/ سارقة الرغيف / الشباك / ثوب الضيق /تأبطي قلبي /امرأة بثالثة قلوب / بطعم السم /
الجواد القعيد وغيرها
فهذه الدراما تؤكد علي غنائية الشاعر عبر تجربة لها خصوصية نقل االحداث من صور مكثفة- كما ذكرنا من قبل – إلي
سردية سريعة التنقل بين الحركة والفعل ،ومن ث م تطوير الحدث وتناميه وتصاعده كما في قصيدة سارقة الرغيف
جاءتني باردة من االنوثة / فأشعلت العمر حتي اثمرت فتنة ودالال / اعطيتها ارغفة العمر ثالثا / رغيف
لها ورغيف لي وللطريق رغيف/ مشينا / وانا اهش عنها ذئاب الحي تارة / أصد عنها صقيع الجهل تارة
أخري/ اصنع لها من سنين العمر / عرائس تلهو بها / وعندما سألتها عن عمري وعن الرغيف/ اقسمت
انها ما احست بعمري
إن انتقاء اإلشارات هنا لواقع الصراع الذي يتنامى داخل النص نتاج عن رصد النص للتطورات الدرامية من خالل الصراع
بين الشاعر والأنثى ، هذا الصراع الذي ينتهي باتهامات تؤدي إ لي القطيعة وإلي الخديعة أحيانا، وهذه الدراما من شأنها
أن تنقلنا من الوهم الي الواقع وتدعم شعرية النص
وهكذا تبدو المرأة في هذا الديوان موضوعاً شائكاً معقداً، ال تربط بين أطرافه روابط وال تضبطه ضوابط، وهو شبكة من
العالقات الغامضة التي تفتح المجال واسعاً الحتماالت وتأويالت وتفسيرات شتى،
ومن ثم كان الحب في قصائده عبارة عن
عالقة غامضة مع كائن غامض، يحقق معه رغبته باللغة، ويريحه باللغة، ويخسره باللغة ، ولذلك ظل يتأرجح بين الواقع
والوهم، وظلت كل امرأة في قصائده تحمل بين طياتها بذور فنائها. ومن هنا كانت تلك البنية النفسية العامة فيها متمثلة في
المقدس والمدنس، تلك الثنائية التي تعيده إلى بداية الخليقة، لالحتماء بخطأ أمنا حواء، واللجوء إلى الطبيعة الستعارة
عناصر الجمال منها وإضفائها على جسد المرأة وتحويلها إلى طبيعة خالصة، فيتسع بذلك فضاء اللذة، ويتقلص فضاء
األلم. بالرغم من أني لم اجد في قصائد الديوان صورة للمرأة األم او المرأة الوطن او المرأة الحرية وغيرها ،ولكن معظم قصائد الديوان انحصرت في المرأة الأنثى فقط التي زرعها الشاعر في ديوانه ماء ووردا وبركانا وثورة وعنفوانا ورقة
وغيرها فغدت كل قصيدة ثورة في الرومانسية او ثورة علي الخديعة ومن هنا فإن شعرية الأنثى هي شعرية القصيدة التي
تمشي في ديوان التي تمشي


شارك الخبر معانا

عن عبد الرحيم السمان

موبايل بين       -          ترافيل بين        -        فيزتك        -      تموين مصر          -             كورة بين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

وزارة العمل : الخميس المقبل … إجازة بأجر كامل للقطاع الخاص بمناسبة المولد النبوي الشريف

شارك الخبر معانا متابعة – عبدالصبور بشير أعلن حسن شحاتة وزير العمل اليوم الخميس، عن ...