كتبت / مى غانم
ستظل براءة البدايات أفضل ما يمكن أن تشعر به ،حتي يأتي من هو يغير موازين الأمور و يهبط بالملائكية إلي الوحل ، فكوب اللبن يظل محتفظ بنقائه وصفائه ما دام في منأي عن كافة العوامل التي تحاول إفساده ، أو تحيل به بعيدا عن صفة النقاء .
هذا هو حال كل البشر في عالمنا الحالي ، تتمتع بشئ من الملائكية التي حباها الله عز وجل لكل إنسان ، ليس صفات الطفولة فحسب ، بل كافة المراحل التي تمر بها دون صراع يذكر ، تحيا حياه هادئة بها من كل جمال الحياه ، تري من نافذتها ابتسامتك لرؤية من تحب ، واجتنابك من لا تهوي روحك لرؤياه ، بها سعادتك إثر نجاحك في الدراسة ، حتي لحظات الفشل ومحاولة تبريره ، تلك الحياه الناعمة البعيدة كل البعد عن صراعات الواقع ، حين تنتقل بين صفحاتها تستنشق رحيق أول دقة قلب بداخلك .
عبير الحب البرئ الذي لا يعرف ظروف مادية ، أو تلاعب بالمشاعر ،أو الرغبة في الإنتقام وتصنع الحب للنيل من الطرف الآخر ، كل ما ستجده مشاعر بريئة وأحاسيس مرهفة تجتاح وجدانك للمرة الأولى ، تقف حائرا أمامها ، لا تستطيع تصنيفها وإن استطعت لا تجد حيلة لتعبر من خلالها عن ذلك السهم الذي إجتاح قلبك علي حين غره دون سابق إنذار ، ذلك الإحساس الذي قد يتسلل من داخل ضلوعك ليسكن داخل خطاب أو مجرد رسمة بريئة بها إسم من يخفق قلبك له داخل قلب كبير تراها أثمن هدية وتتقدم بخطي خائفة ويد مرتعشة لتعطيها إلي صاحب هذا الإحساس ، وتنتظر علي أحر من الجمر بوجه جتاحه الحمرة لتعرف هل إن كانت هديتك مقبولة ، أم أوتار قلبك ستتمزق ، إثر تمزيق الخطاب أو رفضه بأي صورة .
كل هذه المشاعر الناقية الصافية ، التي قد تكون جارحة أحيانا إلا أنك حين تعصف بك الحياه ،وتلقي بك بين براثنها حينها تدرك رونق تلك الحياه الناعمة، إلا أن كثيرا ما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ، و أن الحياه لا تسير وفق أهوائنا .
تدور عجلة الحياه وتتغير الأمور وتذهب الملائكية لتحل السبعية بداخلنا ، نحاول الفوز في إختبار الحياه ، لا نرعي اهتماما لأي ما كان ، قد تتنازل عن صفات ، مبادئ ، أخلاق لتفوز بمناصب ، بجاه ، بثروة .
قد تدمر أشخاص ، تكره و تخون وتظلم وتقهر ، لتفوز بمكانة أو صفقة ما تخفيها وراء ستار الحب لتحقق طموحك و أطماعك الظالمة التي لا يجود بها مكان للرحمة .
وبعد هذه الصراعات تقف أمام المرآه تحاول أن تعثر علي الطفل الذي كان بداخلك ولو لمده دقيقة ، إلا ان الوقت قد ولي و أصدرت شهادة وفاه هذا الطفل مع الدقيقة الأولي التي ظهر بها السبع داخلك ، أول خيانة ، أول موقف تسلقت من خلاله علي أحلام غيرك ، أول كسر وقهر لقلب لم يقترف أي ذنب سوي أنه أحبك ، حيناها تجد مع شهادة الوفاة رسالة ووصية من هذا الطفل الصريع الذي إلتهمه السبع مفداها ” لم أستطيع العيش بداخلك وأنت تقتلني كل يوم ، لم يعد لقلبك مكانا لي فقد إحتل السبع جميع أراضي قلبك ، وأخذ يحاصرني يوما بعد يوم ، ولم أقوي علي مواجهته بدونك ، حتي وصل به المطاف أنه قتلني ، حينها ظللت أصرخ و أذرف دما لا دمعا، إلا أنك لم تسمع لصراخي صدي ، واليوم أتيت لتبحث عني بعد أن لم يعد هناك أثر لوجودي ، إن أرت رؤياي فعليك أن تقتل من قتلني ، حتي أستطيع أن أعيش في أرضك بحرية بعيدا عن الخوف ”
ذلك الصراع داخلي و داخلك ، تشعر به في قلبك في كل مغامرة في كل قرار ترغب أن تأخذه ، في كل مرحلة جديدة من مراحل حياتك ، وعلي الرغم من عدم تكافؤ تلك المعركة ،إلا أن وقوفك مع الجانب الأضعف وإشهار سيفك في وجه هذا السبع يهزمه ويخذله .
والسؤال هنا: من أنت بين هؤلاء هل أنت من قتلت سبعك ، أم سبعك هو الذي قتل براءتك و صبغ حياتك ومستقبلك بالدماء ، أم كان لديك من الحكمة أن تبني قفصا وتزج بذلك السبع داخله ، ليأمن الطفل علي حياته ، و يحيا في مأمن من براثن السبع التي قد تفتك به ؟
لا أحد يستطيع أن يكمل حياته بدون ذلك الطفل الصغير ، وفي الوقت ذاته السبع ليس بغيض دائما فهو أحيانا يعود بالنفع عليك ، فعليك أن تقسم أرضك وتضع حاجز بينهم ، تضمن به أن يحيا الأثنين دون فقدان أحد ، ودون أن يفترس الأقوي من هو أضعف منه ، ويضمن الحرية للطفل حتي يستطيع أن ينير حياتك بالإبتسامة الصافية ، وفي الوقت ذاته ،يضمن كبح جماح السبع الذي إن إستوحش سيقضي علي الأخضر واليابس داخلك قلبك ، ويسدل الستار علي الحياه الهادئة ، لتبدأ مرحلة جديدة ليس بها مجال للرحمة أو للإبتسام .