بقلم / مى غانم
علي الرغم من تعاقب الأيام والليالي وعدم إختلافها الا من بعض الطرائف والصدف التي تهب علينا كالنسيم البارد في يوم حارق ، قد تطول حياتك أو تقصر لأجل يعلمه الله وحده ، و إن كان يفدي بنا حساب العمر باللحظات الجميلة والمواقف التي لا تنسي ، فبإمكانك أن تخلص حياتك في ثلاثين يوما فقط ، تستطيع من خلالهم أن تسافر عبر مراحل عمرك كافة ، تعود للطفولة بكل ما فيها وتري قوتك وشبابك ، وويمكن لك أن تتوقع شيخوختك ،ليس ذلك فحسب ،بل هي أيام يفوح منها عبير الخير ونسائم البركات ، ورحيق الجنة الذي طالما حلمنا بها ، ونري أنها أصبحت قريبة قرب شريان الوريد .
شهر رمضان ، كثيرا ما نقرأ ونشاهد أنه شهر اليمن والخير والبركات ، شهر العطاء ، والمغفرة والتوبة ، إلا أن بجانب كل ذلك لا يزال هو شهر لإستعادة روح المصريين ، فعلي الرغم من أن شهر رمضان هو ذاك الشهر في كافة البلاد العربية والإسلامية ، إلا إن شهر رمضان في مصر يتميز بطابع خاص ، تستطيع فيه أن تشم رائحة الأصالة والماضي ، وتحسس فيه جمال ورونق الحاضر ، فهو يجمع بين التقاليد الشعبية القديمة التي تتميز بروح الماضي ، و تزينها مصابيح الحاضر بإبداعاته التي لا تملك اذاء روئيتها إلا أنك تقف وقوف الفخر والسعادة مرددا ، هذا نحن ، نحن المصريون نقتنص أي فرصة لنعرض كافة الإبداعات التي علي الرغم من بساطتها إلا أنك تري بها الإبداع والخير .
تشعر قبيل رمضان أن الجميع يقف علي قدما وساق ، الجميع يحتفل ، يغني ، يبدأ بالترتيبات المعتادة لجمع شمل الأهل والأصدقاء ، الأقارب و الأحباب ،
إن نظرت إلى والدتي ووالدتك ، فستجدها تلقي بتفكيرها يميا ويسارا لتجهيز وتحضير كافه أنواع الطعام ، وفقا لما يشتهيه كل منكم ، أما عن أباك فبالطبع قابعا علي شراء كل ما تحتويه القائمة التي شارك في إعدادها كل فرد من أفراد الأسرة دون النظر إلى سن من، أو أهميه ذلك الطلب .
وعلي الرغم من أن ساعة الأطفال تدق باستدعاء الطعام في أي لحظة لا تبالي مواعيد ، فكأن ساعاتهم لم تنضج بعد ، إلا أن ذلك لا يحيل أمام إحتفالتهم التي تضيف البراءه ، فحين تجول ببصرك بينهم ، تري الفوانيس والزينات فالفرحة في القلوب بشهر رمضان لا تدرك الثري وتترك الفقير ، فالجميع يحظي بنصيبه من السعادة ، فالفوانيس وإن تباينت أسعارها إلا انها ، تنادي بأجمل الأصوات كل طفل ، ليأخذ ما يناسب حالته ، وكذلك الحال مع الزينات التي تضاهي وتدخل في نقاش وانسجام كامل مع القمر حين يتضارب ضوئهم معا ، ليعلنان عن بداية جديدة، وكأن الليل كشف عن ظلامه وبدأ يستعد لعرسه ، تسر بها العيون ، وتطرب لها الأذان ، فما يسر ويروي الأعين هو رؤية شباب ، وأطفال كل منطقة ، مجتمعين سويا منهم من يقوم بالقص وآخر يقوم باللصق ومن هو أشدهم في البنيان يتسلق ليعلق الزينة هنا ، ويقذفها إلى الآخر هناك .
فمن لا يشارك بالعمل ، يشارك بأفكار ، ربما بالمال ،او بأي مواد قد تساعد على إكتمال اللوحة الفنية ، التي يشارك في رسمها الجميع ، ليضاهون بها كافة الشوارع والأحياء الاخرى ، وكأن كل منطقة أصبحت عروس ، يتسابق أهلها لجعلها الأجمل والأبهي أمام الجميع .
فهذه اللوحة لن تكتمل إلا بمن يأتي كل ليلة ليشق سكون الليل ، ويكشف الستار عن الصمت ، ليدعوا الناس إلي النهوض والقيام بتناول ما يحلو من الطعام ، قبل بزوغ يوم جديد ، نقترب فيه من الله بالإنقطاع ليس عن الطعام والشراب فحسب، بل التضرع إلي الله بكل ما يحب ويرضي من صلاه وصوم وقراءه القرآن ،ففي كل يوم تشعر بنفحات رمضان التي تزيد في قلبك يوما بعد يوما حتي يرغب الشهر في الرحيل .
فالخير ينشر ردائه بين الناس أجمع ، من صدقات ، ومساعدة ، ورحمة إلي أن نصل إلي المشهد الذي يحتاج لتصوريه الآف اللقطات ، و كي نصفه بالكلمات يقف القلم حائرا عن وصف هذا المشهد الذي يمثل التكافل الإجتماعي في أبهي صورة ، وهي صورة موائد الرحمن ، ومنبع الرحمة والخير في قلوب الجميع ، قد تكون ليس علي درجة كبيرة من الثراء ، تسمح لك بأن تطعم الآخرين ، إلا انك حين تري نظرة الشكر ممن أكثر منك حاجة للطعام ، وتشعر وكأنك أصبحت أغني من بالعالم .
فمن حكم شهر رمضان أنك وإن كنت فقير تشعر بمن هو أكثر فقرا ، ليس فقط لتعطيه لتشعر بالخير يدب داخل قلبك ، وتدب الطمأنينة في قلبه ، بل أيضا لكي تتذكر دائما رحمة الله بك ، وأن أحوالك أفضل بكثير ، والدليل إنك أنت الذي تعطي ليس من ينتظر الصدقة ، فحين تضع يدك في جيبك لتعطي السائل ، تجد يدك ترتفع للسماء شاكرا كرم ورحمة اللة بك وبرعيتك ، وأنك ما زالت تعطي لا من ينتظر السؤال .
فكيف لنا ألا نعتبرها الحياه بأكملها ، فأنت تتذوق في هذه الأيام ، كل ذكريات الماضي ، وكل جميل هو آت ، فمهما قست عليك الحياه والأيام ، فيأتي من ينتشلك من كافه همومك ، لتغسل روحك وكذلك عقلك وقلبك