بقلم / مى غانم
قد تعتقد اليوم وأنت قابع في منزلك الفسيح المزين بكافة وسائل الرفاهية من هاتف محمول و شاشة تليفزيون و أكثر ، كل ما يشغل تفكيرك ووجدانك البحث عن وسيلة لتزيد بها دخلك ، تطمح لزيادة ثروتك لكي تحيا حياه أفضل لك ولأبنائك ، قد لا يخطر ببالك أن هناك أشخاص لا تستطيع أن تحلم وتخطط لحياتها ، لأنها بإيجاز لا تستطيع حتي أن تغمض عينيها .
سكان المقابر ، هؤلاء الذين يعيشون خارج حدود الحياه ، يعيشون حيث يفر الجميع ، حين يتواري إلي ذهنك ، كلمة المقابر ، قد يصيبك نوبات خوف وهلع ، في الوقت الذي تخشي فيه من مجرد الاقتراب من هذا المكان ، الذي تشم منه رائحة الموت ورفات من فارقوا الحياه ، هناك من يبدأ حياته و ينهيها في هذا المكان الذي ينأي أي منا أن يبقي فيه لأكثر من ساعة واحدة .
أشخاص يعيشون ويموتون وهم خاارج الحياه ، بينهم وبين الحياه سور بلا باب ، لا يستطيعون رسم أي صورة لحياتهم ، فحياتهم سكبت الأقدار عليها الحبر ، الذي منعهم من رسم أي ملمح ،فأصبحت لوحة حياتهم ليل كحيل وظلام دامس ،فليس هناك مجالا للخروج من هذه المتاهه فجميع طرقاتها مغلقة ، كلما حاولوا الخروج منها يجدون أنفسهم يعودون لنقطة البداية من جديد.
حين تتخيل أن هذا المكان المرعب ، يعيش به من هم أكثر براءه مني ومنك ، يعيش بالمقابر من نطلق عليهم المستقبل ، الغد ، الطموح فكيف يخيل لنا أن نسطر مستقبل ونحلم بغد أفضل لنا ولهم ، وقد أسدلت الحياه الستار عنهم ، وحجبت عنهم رؤية ما هو قادم ، وأرتضت لهم برؤية لون واحد فقط وهو الحداد ، ففي الوقت الذي يشاهد فيه أقرانهم أفلام الرسومات المتحركة ، لا يرون هم سوي مشاهد الحزن والبكاء والصراخ ، فالأطفال ينامون ليروا مستقبلهم في الأحلام ، أما هم فلا يرون سوي الأشباح ، وجثث الموتي الذي يتخيلونها تتحرك .
كثيرا ما تفرض الحياه علينا أمور ، وتعلن كلمتها عالية ، إلا أن أصعب ما يمكن أن ترغمنا عليه الحياه ، هو أن نكون مكفوفين وتتحول أعينا إلي حجرين مثبتين في وجهنا ، لا نستطيع رؤية الحياه ، فالمولود الجديد في المقابر، ما هو إلا وقود يزيد لهيب الخوف ، فالحياه هناك قد لا يخطر ببالك مدي قسوتها ، فسكانها ينتظرون قدوم متوفي جديد ، ليحصلوا علي الطعام ، ينتظرون صوت البكاء والصراخ حتي يتذكرون أنهم لازالوا علي قيد الحياة ويستطيعون سماع الأصوات .
سكان المقابر شعب بلا غد ، بلا مستقبل ، لا يرون سوي جيرانهم الذي لا صوت ولا حركة لهم ، من رقدوا ولم يبقي منهم سوي رائحة الموت ، الذين يشمونها في كل ركن ، لا يستمعون إلا لصوت الأشباح الذي يزج أجواء المكان يمينا ويسارا ، ينتظر بعضهم بزوغ الفجر ، لتعلن الشمس عن قدومها لتخلصهم مما يشعرون به من الخوف والأرتجاف فإعلان الليل عن قدومه يفدي بقدوم الذعر والرهبة من المجهول الذي يسمعون صدي صوته من خارج أبواب الأكواخ الذين يقبعون بداخلها .
ومنهم من إستطاع أن يألف صوت الصراخ ، والبكاء ، أصبح هؤلاء لا يألفون اللون الأسود فحسب ، بل يرون كل شئ من خلاله ، أصبحت الأشباح أصدقاء لهم ينتظرونهم ويتعاملون معهم ، أنستهم الظروف أنهم أحياء ، فقرروا هم أيضا أن يتنزعون قلوبهم من ضلوعهم ويصبحون بلا قلب ، لا يهابون أو يخشون أي شئ ، فما الذي يحدث له أكثر من أنك تعيش وتموت في موضعك ولا يشعر بك شخص ، فقد يكون الموتي أحن عليهم ممن هم علي قيد الحياة .